في ظل مناخ اقتصادي عالمي يتسم بعدم اليقين، يجد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه في مفترق طرق، محاولاً التنقل بين مخاطر التضخم المستمر وشبح التباطؤ الاقتصادي. وفي ظل رئاسة جيروم باول، يقترب الاحتياطي الفيدرالي من هذه الفترة الحرجة باستراتيجية تبدو حكيمة وطموحة في آن واحد.

لم تغير البيانات الاقتصادية الأخيرة، بما في ذلك التضخم القوي وخلق فرص العمل في يناير/كانون الثاني، من توقعات الاحتياطي الفيدرالي بخفض محتمل لأسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، أكد باول على أن أي قرار بخفض أسعار الفائدة سيتطلب زيادة الثقة في أن التضخم يتباطأ بشكل مستدام نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%.

ويعكس هذا الموقف نهجًا مدروسًا في مواجهة خطرين رئيسيين: من ناحية، خطر التصرف بعد فوات الأوان، وبالتالي المخاطرة بخنق النشاط الاقتصادي تحت وطأة ارتفاع أسعار الفائدة؛ ومن ناحية أخرى، خطر اتخاذ إجراء متسرع قد يترك التضخم راسخًا بعيدًا عن الهدف.

على مدى العامين الماضيين، اتبع الاحتياطي الفيدرالي سياسة تشديد نقدي قوية، حيث رفع أسعار الفائدة بوتيرة لم يشهدها منذ أربعة عقود لمواجهة التضخم الذي وصل إلى مستويات تاريخية. ومع ذلك، فمنذ يوليو الماضي، أبقى الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة الرئيسي في نطاق يتراوح بين 5.25% و5.5%، في حين بدأت علامات تباطؤ التضخم في الظهور.

لا يزال الحذر هو كلمة السر، كما يتضح من إحجام باول مؤخرًا عن الالتزام بتخفيض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل في مارس/آذار، على الرغم من الضغوط المتزايدة للقيام بذلك. وقد عززت البيانات الاقتصادية هذا الموقف الحذر، حيث جاء خلق فرص العمل في يناير متقدمًا على التوقعات والتضخم، على الرغم من أنه في اتجاه تنازلي على أساس سنوي، مسجلاً أكبر ارتفاع شهري له منذ عام.

وفي مواجهة هذا التحدي، أبدى باول تفاؤلاً حذرًا، متصورًا “هبوطًا ناعمًا” للاقتصاد الأمريكي. وتبدو هذه الرؤية المتمثلة في تحقيق التوازن بين التضخم المضبوط وسوق العمل السليم في متناول اليد، على الرغم من التحديات المستمرة.

وفي الوقت نفسه، يدرس بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا إجراء مراجعة جوهرية لقواعد رأس المال للبنوك الكبيرة، وهي خطوة تؤكد التزامه بتعزيز الاستقرار المالي أثناء التعامل مع بيئة اقتصادية معقدة.

تُعد هذه الفترة الحرجة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي والاقتصاد العالمي بمثابة تذكير بأهمية السياسة النقدية المدروسة والمتكيفة. وفي الوقت الذي يشرع فيه جيروم باول وزملاؤه في مسار محفوف بعدم اليقين، يبقى السؤال: هل سيتمكن الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق هذا التوازن الدقيق بين السيطرة على التضخم ودعم النمو؟ الوقت وحده كفيل بإجابة هذا السؤال، ولكن هناك شيء واحد مؤكد: القرارات المتخذة اليوم سيكون لها تأثير عميق على الاقتصاد العالمي غدًا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *